مقدمة:
طرح
المشكلة
قال
الله تعالى في القرآن الكريم:
" يا أيها الناس
اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة "
وهذا يدل على وحدة
المصدر الإنساني، ومعنى ذلك أن الناس
سواسية أمام الله، وأمام القانون الإلهي،
من حيث أنهم أشخاص عقلاء يتمتعون بكرامة
يستمدونها من ولادتهم البشرية، وبمقتضى
هذا وجب أن يعامل الناس جميعا معاملة
واحدة في إطار حياة اجتماعية مشتركة،
يراعى فيها دور كل فرد ووضعه الاجتماعي،
بهدف تحقيق العدل بين أفراد المجتمع في
نطاق احترام التوازن بين الحقوق والواجبات،
وبعيدا عن كل أنواع التحيز والظلم.
لكن يمكن أن نتساءل:
ما أساس الحقوق؟ وماذا
عن الواجبات التي تقابل تلك الحقوق؟ وفي
مجال العلاقة بين القيم الأخلاقية، فأيهما
يسبق الآخر، الحقوق أو الواجبات؟ وهل
باختلال التوازن بينهما يتلاشى العدل؟
I
. كيف يمكن التمييز
بين الحق والواجب في صلتهما بالعدل؟ وماذا
ينتج عن ذلك؟
ـ
مفهوم العدل:
للعدل معان عديدة منها أنه ضد
الجور والظلم، ومنها أنه المساواة التي
لا استغلال فيها ولا محاباة .
وقد جاء في القاموس المحيط (أن
العدل ضد الجور وهو ما قام في النفوس أنه
مستقيم) فالعدل
إذن هو الاستقامة في السلوك والاستحقاق
والتعامل لقوله تعالى:((
كونوا قوامين بالقسط شهداء لله
ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)).
ويرتبط العدل بالإحسان والإحسان
معناه أن يفعل الإنسان من الخير أكثر مما
يجب عليه والغاية من العدل هو تحقيق
التناسب بين الحقوق والواجبات.
ومنه فالعدل هو الموازنة بين
أفراد المجتمع من حيث الحقوق والواجبات.
ـ كيف يمكن
التمييز بين الحق والواجب؟
أ
ـ الحق:
ـ مفهوم الحق:
الحق في اللغة:
هو الأمر الثابت الذي لا يمكن
إنكاره. أما
الحق اصطلاحا:
فهو الفعل الذي يسمح به القانون
أو هو: مجموع
ما خوله القانون للفرد من مكاسب مادية أو
معنوية يمكنه الدفاع عنها والمطالبة بها.
ـ أنواع الحقوق:
ـ الحقوق
الطبيعية:
وهي مجموع الحقوق اللازمة عن
الإنسان من حيث هو إنسان، بحكم وجوده في
الحياة، فهي مكاسب يفرضها الوجود الإنساني
في الحياة، وهي حقوق تتميز بالثبات، وأنها
عامة، كالحق في الحياة، في التفكير، في
الملكية، في الحرية...
وهذه الحقوق الطبيعية هي أصل كل
الحقوق، لأنها حقوق ذاتية، تعمل على
حمايتها كل القوانين الشرعية والوضعية
دون استثناء.
ـ الحقوق
المدنية:
والمقصود بالمدني هو المنسوب
إلى المدينة أو إلى الناس الذين يعيشون
في المدينة.
أي الانتقال من الحياة الفطرية
الطبيعية البسيطة، إلى حياة التمدن وما
تتميز به من تداخل العلاقات، وتشابك
المصالح والوظائف الاجتماعية وهذا يقتضي
ضرورة وضع قوانين من اجل تنظيم شؤون
الجماعة وتسيير أمورها، وضبط وتنظيم شؤون
الجماعة وتسيير أمورها، وضبط وتنظيم
علاقات الأفراد الاجتماعية.
ويترتب على هذا مجموع من الحقوق
والمكاسب التي تنص عليها القوانين
المكتوبة، وهذا ما يظهر في الحقوق
الاجتماعية والحقوق الأخلاقية كحق
التعليم، حق السكن، حق العلاج...
حق الاحترام، حق الشرف، الكرامة..
وهذه الحقوق
المدنية تعتبر حقوق مرنة غير ثابتة، تساير
الأوضاع والظروف الاجتماعية المتغيرة
وتتكيف معها.
ـ
كيف نفهم العلاقة بين الحقوق المدنية
والحقوق الطبيعية؟
الواقع أن هناك
علاقة امتداد تاريخي، وارتباط وظيفي بين
الحقوق الطبيعية والحقوق المدنية، ذلك
أن الحقوق الطبيعية التي كانت مجرد مبادئ
عامة، وإملاءات تتناقل بعفوية، أصبحت
بفضل الروح المدنية مصانة ومقننة، ومعترف
بها عالميا، ومعبرا عنها في دساتير وقوانين
حقوق الإنسان العالمية.
وهكذا تكون الحقوق المدنية في
خدمة الحقوق الطبيعية، ومثبتة لها، ولهذا
جاءت القوانين الوضعية المشرعة للحقوق
المدنية، مؤكدة على ما رسمته القوانين
الطبيعية والمعبرة عن الحقوق الطبيعة.
وعليه تظهر علاقة التواصل والتكامل
الوظيفي بين الحقوق الطبيعية والحقوق
المدنية، وكذلك الاتفاق بينهما في الهدف
وهو خدمة الإنسان وتثمين مكاسبه.
ـ حقوق الأفراد
وحقوق الجماعات:
يبدو أنه من
السهولة التمييز بين الحق الفردي والحق
الجماعي، على اعتبار أن الأول ما خص الفرد
وحده والثاني ما تعلق بجماعة، وان الحقوق
الفردية ترتبط بالقانون الطبيعي كما
ترتبط الحقوق الجماعية في جوهرها بالقانون
الوضعي. ولما
كان القانون الطبيعي سابقا للقانون الوضعي
كانت الحقوق قد بدأت فردية ثم انتقلت إلى
حقوق جماعية، والحديث عن هذين النوعين
من الحقوق (الفردي
والجماعية )
يقودنا إلى الحديث بالضرورة عن
ذلك السجال الفكري بين مذهبين فلسفيين
كبيرين هما المذهب الفردي والمذهب الجماعي.
فالمذهب الأول يؤمن بالحقوق
الفردية ويقدسها من منطلق نظرته للفرد
واعتباره أعلى درجة ولا شيء يسمو فوقه،
وهو الغاية التي يجب أن تنصهر فيها جميع
الغايات، وما الجماعة إلا مجرد تنظيم
يسمح له بممارسة حقوقه، كون وجوده سابق
لوجودها. وفي
المقابل يقدم المذهب الاشتراكي الحقوق
الجماعية بوضعها في المقام الأول ويضفي
عليها الطابع القدسي، وهي سابقة في وجودها
عن الحقوق الفردية، من حيث أن الحقوق
ترتبط بالقانون، وان القانون جاءت به
الجماعة لذلك فهو يراعي مصالحها باعتبارها
الهيئة التي تتركز فيها مصلحة مجموع
الأفراد الذين يخضعون لسلطانها.
ب ـ الواجب :
ـ مفهوم الواجب:
لغة:
يعني الضرورة والإلزام.اصطلاحا:
هو مجموعة من القواعد الملزمة
على الفرد إتباعها، أو هو ما ينبغي أن
نقوم به أو نمتنع عنه.
والواجب عند الفقهاء:
ما يلزم به الشرع بحيث يثاب المرء
على فعله ويعاقب على تركه.
ـ أنواع الواجب:
ـ الواجب
الأخلاقي:
وهو مجموع الإلزامات الوجدانية
النابعة من ضمائرنا، وهي مبنية على فكرة
الخير والشر كمعاني أخلاقية تحدد ما يجب
فعله أو اجتنابه، كالإحسان، والأمانة،
والعدل...
بمعنى أن الواجب الأخلاقي هو
مشروع العمل الأخلاقي الذي يدفعنا الوجدان
على الإتيان به.
وتعتبر هذه الواجبات الأخلاقية
من المصادر الأساسية للقانون وتشريعاته
المختلفة، لأن القوانين تحمل روحا أخلاقية
تتأسس عليها، ولها هدف أخلاقي هو تحقيق
العدالة بصفتها أم الفضائل.
ـ الواجب
القانوني:
ويتمثل في مجموع الواجبات
المفروضة علينا والملزمة لنا بتشريع
صريح، تضعه السلطة الاجتماعية أو السلطة
الإلهية لوجه المصلحة العامة، وهي واجبات
تضبطها وتحددها القوانين، وتعرف بها،
فيما تأمر بفعله أو تأمر بتركه، مع تعيين
من يحق لهم أن يطالبوا بتنفيذها.
فهي بهذا واجبات اجتماعية، تخضع
لضوابط وقواعد قانونية تحدد الواجبات
ومن تقع عليهم.
من هنا كانت الواجبات القانونية
أساس مشروع تطبيق العدالة والتعبير عن
غايتها التي تنشد الاعتدال والتوازن
والبعد عن الإخلال بالواجب، لأنه لو قام
الجميع بواجباته نحو الجميع، لتحققت حقوق
الجميع من دون المطالبة بها.
II.
أي منهما يتقدم
الآخر، هل الحق يسبق الواجب، أم أن الواجب
يأتي قبل الحق؟
إذا
كانت إمكانية الفصل بين الحقوق والواجبات
قائمة، فإن مشكلة الأسبقية مشروعة الطرح:
هل العدالة الحقة
هي تلك التي يتقدم فيها الحق على الواجب،
أو تلك التي يسبق فيها الواجب الحق؟
أولا:
الحق أسبق
من الواجب:
إذا كان فهم
العدالة على أنها إعطاء كل ذي حق حقه،
يجعل فكرة العدالة ترتبط بالحقوق أكثر
من ارتباطها بالواجبات، فهل معنى ذلك أن
العدالة تقدم الحقوق على الواجبات؟
يقر
فلاسفة القانون الطبيعي بأن العدالة
تقتضي أن تتقدم فيها الحقوق على الواجبات،
فتاريخ الحقوق مرتبط بالقانون الطبيعي
الذي يجعل من الحقوق مقدمة للواجبات
كون الحق معطى طبيعي، ولما كانت الحقوق
الطبيعية حقوقا ملازمة للكينونة الإنسانية،
فهي بحكم طبيعتها هذه سابقة لكل واجب،
فهي بمثابة حاجات بيولوجية يتوقف عليها
الوجود الإنساني كالحق في الحياة، الحق
في الحرية، الحق في الملكية...
ولما كانت الحقوق
الطبيعية ترتبط ارتباطا وثيقا بالقوانين
الطبيعية، وكانت الواجبات ميزة القوانين
الوضعية، أمكن القول أن الحق سابق للواجب
من منطلق أن القوانين الطبيعية سابقة
للقوانين الوضعية، كون المجتمع الطبيعي
تقدم المجتمع السياسي.
وقد تأثرت الثورة
الفرنسية بأفكار هؤلاء الفلاسفة وظهر
ذلك جليا في إعلان حقوق الإنسان والمواطن
الذي حملته دساتيرها، إضافة إلى كل هذا
أن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان استمدت
فلسفتها القانونية من فلاسفة القانون
الطبيعي، لذلك فهي تولي اهتماما كبيرا
للحقوق على حساب الواجبات.
مناقشة:
إن فلاسفة القانون
الطبيعي وحتى المنظمات الدولية لحقوق
الإنسان أقروا الحقوق وقدسوها، وفي
المقابل تجاهلوا الواجبات، وفي ذلك إخلال
بتوازن المجتمع، وتفكك علاقاته، لأن ذلك
يفتح الباب أمام ظهور نزوات الأنانية
وإرضاء الميول الغريزية التي تتنافى في
أغلب الأحيان مع الحياة الاجتماعية
وتماسكها.
ثانيا:
أسبقية الواجب
على الحق:
إن الواجب هو
معيار العدالة، وأساس بناء المجتمعات
وتماسكها وتحضرها، لأن الواجب مطلب عقلي،
وضرورة واقعية، تتجاوز منطق المنفعة
والمصلحة والذاتية، إلى مستوى أداء الواجب
لذاته، والالتزام بالقانون وما يفرضه من
تضحية بالحقوق، فالجندي بدافع الواجب
يقدم حياته عند الخطر فداء لأمته، دون
النظر إلى فقدانه لأهم حقوقه وهو حق
الحياة.
وكل هذا يعني أن
الواجب أسبق من الحق، لأنه يعبر عن قيمة
إرادة الإنسان ونقاء قصده، وهذا ما عبر
عنه "
كانط "
في واجبه الأخلاقي
المطلق من كل قيد أو شرط أو منفعة، فالصانع
واجب عليه أن يتقن صنعته بغض النظر عن
نيله ثناء الناس كحق مقابل هذا الإتقان.
وإلى نفس المذهب
يذهب أو جست كونت إذ ينطلق من قبول فكرة
الواجب، فالواجب حسبه هو القاعدة التي
يعمل بمقتضاها الفرد، وتفرضها العاطفة
والعقل معا، وقد ذهب إلى إمكانية الاستغناء
عن فكرة الحقوق لأن قيام الجميع بواجباتهم
يؤدي إلى رضى الجميع وتحقق حقوقهم.
مناقشة:
إن هذا الاتجاه
الذي يبني العدالة على الواجبات والاقتصار
عليها، يجعل من العدالة عرجاء ويسيء إلى
الحياة الاجتماعية، لأنه قد يصير ذريعة
ذريعة لتبرير الظلم والاستغلال انطلاقا
من فرض الواجبات، وهذا ما يؤدي إلى تقييد
الحريات الفردية وتغييب الحقوق، وهو ظلم
وجور لا يتناسب مع مبدأ العدالة وغايتها.
III.
ألا يعد العدل
من حيث هو فضيلة أخلاقية سامية، مراعاة
للتوازن بينهما ؟
ما
المبدأ الأمثل الذي يحقق عدالة موضوعية
على أرضية الواقع لصالح المجتمعات المتعطشة
إليها ؟ هل هو مبدأ المساواة
أم مبدأ التفاوت أم أن الأمر قد يقتضي
تجاوز الطرحين إلى طرح آخر يكون أكثر
واقعية ؟
أولا
:
المساواة
بوصفها تكريسا لتوازن العدالة:
يرى أنصار هذا
الاتجاه أن
مبدأ المساواة يعد المبدأ الأساسي الذي
تستند إليه جميع الحقوق والحريات، وقد
جعل الكثير من المفكرين من مبدأ المساواة
المفتاح الرئيسي للعدالة، لأنه بانعدام
المساواة يفتح المجال للتمييز والتفريق
فيكون التأسيس للاستغلال.
إذ يؤكد في البداية
فلاسفة القانون الطبيعي أن المساواة هي
المقياس الأساسي للعدالة تقتضيه الطبيعة
المشتركة لكل فرد مع غيره من الأفراد من
جهة، ويقتضيه الاحترام المتبادل فيما
بينهم باحترام كل فرد منهم لحقوق الآخر
من جهة أخرى، وقد قال قديما الخطيب الروماني
"
شيشرون "
:" الناس سواء
وليس هناك شيء أشبه بشيء من الإنسان
بالإنسان، لنا جميعا عقل، ولنا حواس، وإن
اختلفنا في العلم، فنحن متساوون في القدرة
على التعلم".
كما يؤسس فلاسفة
نظرية العقد الاجتماعي "
توماس هوبز، جون
لوك، جان جاك روسو "
العدالة على مبدأ
المساواة بين الأفراد، من منطلق أن الأفراد
تعاقدوا للخروج من حالة الفطرة من اجل
حياة أفضل يتمتعون فيها جميعا بمساواة
مطلقة.
كما كان الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان والثورتين الأمريكية
والفرنسية على وجه التحديد دورا كبيرا
وفعالا في تدعيم مبدأ المساواة كأساس
لتجسيد العدالة بين أفراد المجتمع.
بالإضافة إلى
الفلسفة الاشتراكية والتي تنسب إلى
الفيلسوف الألماني كارل ماركس، حيث ذهبت
إلى أنه لا عدالة بين أفراد المجتمع دون
إقرار مساواة حقيقية بينهم في الحقوق
والواجبات، وطريق ذلك إقرار للملكية
الجماعية لوسائل الإنتاج، كونها الملكية
التي تسمح للجميع بالتمتع بهذا الحق.
مناقشة:
إن القول بالمساواة
المطلقة في كل شيء لتحقيق العدالة أمر لا
يمكن مسايرته عمليا، لأنه يتعارض مع
الطبيعة البشرية، ذلك أن الأفراد يتفاوتون
في القدرات والمواهب الذاتية، وهذا ما
أنتج تفاوتا وتمايزا فعليا بينهم.
ثانيا:
العدالة في
التفاوت والاستحقاق:
يرى أنصار هذا
الاتجاه أن التفاوت هو مبدأ العدالة،
لأنه قانون الطبيعة البشرية وأساسها،
فالأفراد بطبيعتهم غير متساوين في القدرات
والمواهب والاستعدادات، ومختلفون قواهم
وملكاتهم العقلية والجسمية.
وعلى هذا حاول
الكثير من الفلاسفة والمفكرين تبرير هذا
المبدأ والدفاع عنه، ففي الفلسفة القديمة
نجد أفلاطون يؤسس العدالة على أساس
التمايز الطبقي، ولكي تبرز روح العدالة،
ونبتعد عن الاختلال وجب أن يلتزم كل فرد
بطبقته المحددة له، وما يترتب عنها من
حقوق وواجبات.
كما يؤكد أرسطو أن
العدل الحقيقي يوجب أن يوضع كل فرد في
مكانه الطبيعي الأليق به، وهذا يقتضي
إقرار التفاوت والاعتراف به.
أما في الفلسفة
الحديثة نجد الفيلسوف الألماني نيتشه
الذي يؤكد أن التفاوت بين الناس حقيقة
واقعية، وجب الاعتراف بها والعمل على
أساسها، ومن هنا سعى إلى تقسيم المجتمع
إلى طبقتين:
طبقة السادة وطبقة
العبيد، ومن الطبيعي أن يكون للأسياد
حقوق غير تلك التي تكون للعبيد، للأسياد
حق الملكية والحكم، وللعبيد واجب الطاعة
والاحترام وخدمة الأسياد.
كما عبرت عن مبدأ
التفاوت بوضوح الإيديولوجيا الرأسمالية
كتنظيم اقتصادي وسياسي يقوم على اعتبار
الملكية حقا طبيعيا للفرد بحسب اجتهاده
وقدراته، مما يبرر التفاوت بينهم في
الحقوق.
كما ذهب الطبيب
الفرنسي الكسيس كاريل إلى القول :
" بدلا من أن
نحاول تحقيق المساواة بين اللامساواة
العضوية والعقلية...يجب
أن نوسع دائرة هذه الاختلافات وننشئ رجالا
عظماء"،
وهذا يعني أن التفاوت والاختلاف بين
الأفراد قانون طبيعي يستمد مصداقيته من
الواقع.
مناقشة:
إن التفاوت كحقيقة
واقعية على المستوى الجسمي والعقلي، لا
يمكن أن يتحول إلى طريق للاستغلال والهيمنة
والتمييز العنصري، وأشكال الاستعمار
الجديد الذي يكرس الخضوع والتبعية.
ثالثا:
العدل في
التوازن بين المساواة والاستحقاق:
العدل ليس مساواة
مطلقة بين جميع الناس في كل أمر وفي كل
شيء بلا قيود، فهناك فروق لا بد من احترامها،
كما أن العدل لا يكون في التفاوت المؤسس
بصفة غير مشروعة، تمكن للاستغلال وعدم
احترام كرامة الإنسان، واغتصاب الحقوق،
لذلك كان لا بد من قرار عدالة تزاوج وتوازن
بين المساواة والاستحقاق، وتفعل مبادئها
الأخلاقية من خلال ممارساتها الواقعية،
وهذا ما عبر عنه المفكر العربي زكي نجيب
محمود من خلال تحديد كيفية ممارسة العدالة
ومجالاتها، فالمعايير المحددة لها:
أ
ـ مجال الحقوق:
يحدده القانون،
ويحتكم فيه القضاء بحيث يعطى لكل ذي حق
حقه دون تمييز.
ب ـ
مجال القدرات :
وتحدده الجدارة
والكفاءة والجهد والنشاط، بحيث لكل بحسب
استحقاقه، وهو مجال للتفاوت والتنافس كل
بقدر إمكاناته.
ج ـ
مجال الحاجات الاجتماعية:
تحدده المطالب
الضرورية للأفراد وما يحتاجون له، فيكون
العدل في التوزيع انطلاقا من تحديد من
يستحق وحاجته.
خاتمة:
إن
التناسب بين الحقوق والواجبات هو الذي
يحقق العدل، لأن أي طغيان لطرف على حساب
آخر ينتج الظلم والجور والاستغلال، وهذا
التكافؤ بين الحقوق والواجبات هو العدل
بعينه، ولا يظهر العدل ممارسة وتطبيقا
إلا من خلال مراعاة التوازن والتعادل بين
الحقوق والواجبات.
No comments :
Post a Comment